– من اكثر الأمور التى تسبب المشاكل والضغوط الأسرية هي العلاقة مع الأهل والمقصود هنا الوالدين لكل طرف في الزواج. هل من حق الوالدين التدخل في شئون الأسرة أم لا ؟ وما هي حدود العلاقة مع الوالدين والأهل بالنسبة للأسرة؟ لهذا علينا الالتجاء الى كلمة الله ومعرفة التعليم الخاص بهذا الموضوع .
– في سفر التكوين 2: 18-24 يقدم لنا الكتاب المقدس أول شاهد يعطى ضوء حول الارتباط وتكوين الأسرة في منظور الله. وفى عدد24 يقدم أحد أسس الارتباط القوى الذي هو الترك ( لذلك يترك الرجل أباه و أمه و يلتصق بآمراته و يكونان جسدا واحدا) وتأتى كلمة الترك في المقدمة لما لها من أهمية في استقرار الأسرة
– وسوف نناقش أبعاد هذا الترك ومعانيه في هذه المقالة.
أولا الترك هو واجب الزوج و الزوجة أيضا:
ففي تك24:2 يأتي ذكر كلمة (رجل) كتعبير عن الإنسان ككل ( رجل و امرأة) وليس كتحديد لجنس الرجال فقط ,و في الكتاب المقدس نجد الكتاب يستخدم العلاقة بين الزوج والزوجة كصورة للعلاقة بين الله وشعبه والمسيح والكنيسة مثل سفر المزامير 45: 10 ( اسمعي يا بنت و انظري و أميلي أذنك و انسي شعبك و بيت أبيك) , ونجد الله يطالب شعبه بالترك من خلال مطالبة العروس بنسيان شعبها,وفى هذا نرى أن الزوجة هي أيضا مثل الرجل عليها أن تترك.
ثانيا الترك لا يتعارض مع الاهتمام بالأهل:
فليس معنى الترك هو التخلي عن الوالدين أو التنصل من الالتزام الأدبي نحوهم في أوقات الاحتياج, لكن على العكس الكتاب يوصينا في اف6: 2،3 ( اكرم أباك و أمك التي هي أول وصية بوعد لكي يكون لكم خير و تكونوا طوال الأعمار على الأرض) وحتى يمكن تحقيق ذلك بصورة فعالة يجب آن تكون هناك فرصة للزوجين للحياة المستقلة و الاعتماد على الذات حتى تنموا العلاقة الزوجية وتتم الوحدة الحقيقية بينهم و حينئذ فقط سوف تسهل عليهم خدمة الآهل والاهتمام بهم الاهتمام الأمثل.و في الواقع إن اعظم شئ يقدمه الزوجان لوالديهم هو نجاحهم معا في حياتهم الزوجية , وهذا لن يحدث بدون الترك.
مجالات الترك: فهو هنا غير مقصور فقط على المعنى المكاني الحرفي بالنسبة آلي الأهل لكنه اكثر واعمق من ذلك ,انه يمتد الي مجالات الحياة المختلفة والى كل شئ متعلق بالماضي وفترة ما قبل الزواج.
1- مجال العاطفة:هنا لابد من حدوث عملية “فطام” أي تحويل الاعتماد العاطفي من الوالدين آلي شريك الحياة ويصبح كل طرف هو المصدر الأساسي الذي تستمد منه احتياجات الآخر العاطفية.فعلى الزوج أن يجد في زوجته النبع العاطفي عوضا عن أمه . وكذلك على الزوجة آن تجد في زوجها الممول لاحتياجات الحب لديها( عند الله خطة لتسديد الاحتياجات العاطفية للإنسان, ففي الطفولة يمدنا الله بالاحتياج للحب من خلال الوالدين وفى الارتباط يمدنا الله بالحب من خلال شريك الحياة) وحتى يتم ذلك يجب أن نقبل خطة الله من نحو تسديد احتياجاتنا ,و أن يكون الارتباط من الله, وان يكون حب الله لنا هو مصدر كل حب نقدمه للآخرين.
2- مجال الإرادة: التحول من مرحلة الاعتماد في اتخاذ القرارات على الآخرين آلي مرحلة الحرية في اتخاذ القرار. ولا ينبع القرار الصحيح من الأهل بل ينبع من داخل الآسرة نفسها. وشئ طبيعي أن لا تكون كل القرارات مثالية في البداية ولكن مع الوقت يكتسب الزوجان الحكمة والقدرة على اتخاذ القرارات الصائبة. ولا يمكن أن تتم هذه العملية دون أن ينفصل الزوجان عن الأهل في مجال الإرادة , وإلا سوف يظلا أطفال غير قادرين على اتخاذ القرارات.
3- مجال الفكر: أن تكون الانطباعات و طريقة التفكير غير مقيدة بكل المؤثرات القديمة ,ولكن انفتاح اكثر وحرية من قوالب الفكر القديمة مثل( التقاليد,العادات ,الخبرات وفلسفة الحياة عامتاَ) وفى الواقع إن هذا المجال هو من أكثرها أهمية ومصدر دائم للاختلافات داخل الأسرة. فعلى كل زوجان أن ينفتحا على كلمة الله المجددة لأذهانهم و المحررة من كل الماضي (رو1:12-2 ) فليس كل ما رأيناه أو اختبرناه في الماضي متفق مع كلمة الله . لهذا فعند بدء بيت جديد وعند طلب بركة الرب على هذا البيت علينا أن نحيا ونسلك في هذا البيت ليس بحسب الناس و المجتمع لكن بحسب فكر الله.
4- مجال الأمور الروحية: الكتاب المقدس في اكثر من مكان يشير آلي انه هنالك أمور سلبية( قيود ,لعنات) نتيجة الخطية والحياة بعيد عن مشيئة الله تستمر تحدث و تورث آلي الأبناء ,و على الأبناء الوقوف ضد هذه الأمور بالانفصال عنها و إعلان الحرية آلتي في فداء الرب والحياة بحسب مشيئة الله و إعلان أن الآسرة الجديدة هي في المسيح محمية من كل الأمور الموروثة السلبية.( خر5:20 ، تث45:28-46 ،غل13:3 ، 2كو17:5 ،1بط18:1)
فعلى الأسرة أن تعلن أنها في المجال الروحي منفصلة تماما عن كل أمور سلبية مورثة وانهم بيت جديد محمى بدماء الرب يسوع من كل أمر سلبي. مثل لعنات المرض ,والفشل, وقيود السحر وخطايا الأباء والأجداد.
* إلا أن هذا الترك يمتد آلي كل ما هو يعيق الوحدة و نمو العلاقة بين الزوجين , قد يكون الأصدقاء أو العمل أو حتى الانشغال بالأطفال ,فعلى الزوجان أن يضعا الوحدة بينهم أهم من أي شئ أخر وأي أمر و علاقة يأتي في المرتبة الثانية بعد الاهتمام بتنمية الوحدة في البيت.
* و الترك يكون خال من المضمون وبلا قيمة إن لم يتبعه الالتصاق بين الزوجين(تك24:2 يترك. . . يلتصق ) أي أن الدافع الحقيقي للترك أن يكون الزوجين اكثر قرباَ و حباَ واهتماماَ من بعض عن أي شئ أخر .مثل التصاق قطعتين من الورق ببعضهما, وإذا أردنا فصلهما عن بعض لن نقدر دون أن نسبب تمزيق وتلف فيهما معا,.فعلى كل من الزوجين الانفتاح على الآخر وفهم الآخر والاشتراك معاَ في الصلاة لمعرفة ما هو نافع لهم لتحقيق رؤية الله الخاصة بهم وهى الوحدة الكاملة في كل المجالات الروحية والنفسية والجسدية.ولهذا إن آي ترك هو لحساب الالتصاق والوحدة الحقيقية.
خاتمة:
البيت المسيح الحقيقي الذي بحسب فكر الله مبنى على مبدأين ما الترك والالتصاق ,وأي خلل ف هذا الشكل حتما سوف يؤدى آلي العناء. والعلاقة مع الوالدين يجب أن تنظم حتى لا تكون سبب ضعف للأسرة ولكن قوة وراحة لها. أن الترك يكون مصحوب بمشاعر الألم في كثير من الأمور لكنه ثمن للسعادة الزوجية , وكما أن الطفل المولود لا يستطيع أن ينمو ويكبر دون أن يتم قطع” الحبل السرى” كذلك لا يمكن أن ينمو الزواج دون ترك حقيقي وانفصال واضح عن الأهل.
الرب يبارك حياتكم
اشرف دانيال